الرمسة –
هل تبرع المصمم الايطالي جورجيو ارماني بمبلغ مليار و250 المليون يورو لايطاليا لمكافحة فيروس كورونا وقال: “لن أقبل أن تسقط إيطاليا على ركبتيها ولو كلفني هذا الأمر كلّ ثروتي”.
هذا الخبر الأولى من ضمن أكاذيب ومزاعم تغص بها مواقع التواصل العربية عن إيطاليا التي ضربها فيروس كورونا بلا رحمة، تكشف عن حقيقتها صحيفة النهار اللبنانية وتبرز الحقيقة من الكذب.
النهار قالت ان حسابات عربية على مواقع التواصل عجت بالاخبار المفبرك’ عن ارماني، وهناك أيضا لوحة فنية مؤثرة “لفنان ايطالي تجسد خروج الامور عن السيطرة في ايطاليا، وان الحلول في يد الله”، على ما كُتِب. كذلك، استحوذت “7 مليارات تبرعت بها المافيات الايطالية للحكومة الايطالية” وفقا للمتداول، على الاهتمام، في وقت انتشر قطع فيديو بمزاعم ان “جميع السكان قرّروا التجمع في الساحة لوداع العالم بعد تفشي المرض في إيطاليا.
المنشور الملفق
#جورج_أرماني مصمم الأزياء الأيطالي تبرع لحكومة بلاده بلميار و250 مليون يورو لمواجهة فيروس كورونا.. وقال: لن أقبل أن تسقط أيطاليا.
أثبت الرجل بالأضافه لرُقي أبداعه أنه وطني حقيقي كريم الأخلاق…. بعمله هذا خدم العالم بالأضافه لخدمته لوطنه…….. والعالم أبداً لن ينسى أمثاله. pic.twitter.com/o3dWtWcaVF— أبوسهيل بن ماضي (@aTQuyOWysBXyk7V) March 27, 2020
النتيجة: التبرع الذي نُسب لأرماني خيالي، بحيث فاق بكثير قيمة تبرعه الحقيقي، والقول المنسوب له اختراع. العمل الفني المتناقل، انجزه فنان اميركي، وليس ايطاليا. والشرح الذي أرفق به “اجتهاد شخصي”. اما “المليارات الـ7 التي تبرعت بها المافيات الايطالية للحكومة الايطالية”، فلم نجد لها اثرا. وبالنسبة الى مقطع الفيديو المتناقل، فلا علاقة له اطلاقا بتفشي وباء فيروس كورونا، اذ يعود الى تشرين الثاني 2019، وقصّته مختلفة.
فقد اعلنت مجموعة أرماني “التبرع بمليون و250 الف أورو (وليس مليار و250 مليون أورو) لمستشفيي لويجي ساكو Luigi Saccoوسان رفايلي San Raffaele والمعهد الوطني للسرطان Istituto dei Tumori في ميلانو ومعهد سبالّنزاني للامراض المعدية في روما، ولدعم نشاط الحماية المدنية Protezione Civile في حالات الطوارئ الناجمة عن فيروس كورونا”، وفقا لما ارود موقع Corrier Della Serra (هنا، 9 آذار 2020)، ولم يصدر عن أرماني نفسه اي قول، عدا تغزله بمدينة ميلانو التي لا تعرف الاستسلام.
لوحة فنية
أما اللوحة التي قيل أنها تحمل توقيع “رسام ايطالي” و”تجسد خروج الامور عن السيطره في ايطاليا، وان الحلول في يد الله” (غير ان البحث يبيّن ان صاحب هذا العمل الفني ليس ايطاليا، كما يتم زعمه، بل يُعرف بـ”بيبل” Beepleالاسم الفني للفنان الاميركي مايك وينكلمن Mike Winkelmann (وهنا). وهو مصمم غرافيك من تشارلستون، ساوث كارولينا في الولايات المتحدة الأميركية. ومعروف بانجازه أعمالا فنية رقمية (هنا، هنا)، وفقا لما يعرّف بنفسه في حسابه في موقع Behance.
حقيقة هذه الصورة
بالنسبة الى عمله الفني المتناقل، فقد نشره في حساباته في تويتر (هنا) وفيسبوك (هنا) وانستغرام (هنا) في 17 آذار 2020، بالتزامن مع مواصلة فيروس كورونا المستجد زحفه في ارجاء العالم. وقد عنونه بالانكليزية: DON’T TOUCH اي لا تلمس. العمل الفني يستلهمه وينكلمن من المواجهة مع فيروس كورونا المستجد. وهو يمثل يدا غزتها فطريات صغيرة وكبيرة حمراء. وقد سُيِّجت، بينما وقف خارج السياج اشخاص ارتدوا البسة بيضا واقية.
DON'T TOUCH pic.twitter.com/bvjyK4mtZW
— beeple (@beeple) March 17, 2020
من خلال العنوان الذي يختاره وينكلمن، اي “لا تلمس”، يُفهَم انه يريد ايضا ان يصدم الناس، بتلك اليد المريضة والموبوءة، كأنها تمثل العالم الموبوء بالكورونا، وربما ايضا بما يتوافق مع الدعوات المحلة للناس الى عدم المصافحة واعتماد الابتعاد الاجتماعي وغسل الايدي، من اجل احتواء تفشي فيروس كورونا. الزعم ان هذا العمل الفني “يجسّد خروج الامور عن السيطرة في ايطاليا (او العالم)، وان الحلول في يد الله”، اجتهاد شخصي، قراءة ذاتية، وليس بالضرورة ما يريد وينكلمن التعبير عنه حقيقة.
المافيا الايطالية
“المافيات الايطالية تتبرّع بـ7 مليارات دعماً لحكومة إيطاليا للتصدي لفيروس كورونا”، وفقا لمزاعم نشرتها حسابات عربية كثيرة، لا سيما في تويتر من دون ذكر مصدر هذه المعلومة او مرجعها. وقد نشرتها مواقع اخبارية، مع تحديد قيمة التبرع لكل مافيا، من دون ذكر مصدرها.
التلفيق الكاذب حول المافيا
المافيات الايطالية تتبرع ب 7 مليارات لدعم الحكومة الإيطالية في مواجهة فيروس كورونا. pic.twitter.com/wtOd65P2GF
— Elias i (@Eliasymad12) March 24, 2020
غير ان البحث عن هذا الخبر، باستخدام كلمات المفاتيح بالانكليزية والايطالية، يقود الى لا شيء. أي خبر بهذا الشأن لم نجده عن “تبرعات مزعومة قدمتها المافيات الإيطالية للحكومة الإيطالية”. وهذا يعني ان لا صحة لهذه المزاعم، نظرا الى غياب اي مصدر ذي صدقية لها. مجرد اختراع.
وما أمكن إيجاده بهذا الشأن هو تقريران مثيران حديثان نشارككم فيهما:
*تقرير نشرته منظمة OCCRP) Organized Crime and Corruption Reporting Project– مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد)، الثلثاء 24 آذار 2020، بعنوان: الكوكايين والكورونا: كيف يضغط الوباء على مجموعات الجريمة الإيطالية؟ ومما اورده ان “خبراء يقولون إن جماعات الجريمة المنظمة تجد صعوبة في العمل في ظل الوباء الذي دفع السلطات الإيطالية الى اتخاذ إجراءات صارمة، وأمرت الشركات بالإغلاق والناس بالبقاء في منازلهم”. ورجحوا أن “تتضرر الجماعات الإجرامية الإيطالية بسبب انكماش الاقتصاد في البلاد، لكنها قد تجد أيضًا طرقًا للاستفادة من الأزمة”.
هذه الفكرة تحديدا يتطرق اليها الصحافي الايطالي روبيرتو سافيانو ROBERTO SAVIANO، في تقرير نشره موقع “لا ريبوبليكا” الايطالي في 22 آذار 2020، بعنوان: “مافيا فيروس كورونا: من المخدرات إلى الرعاية الصحية، الوباء يساعد الاقتصاد الإجرامي”
“إيطاليون يودعون العالم”؟
مقطع فيديو تكثف تناقله، مرفقاً بالمزاعم الآتية (من دون تدخل): “بعد تفشي المرض في إيطاليا ولا وجود علاج قرر جميع السكان تجمع في الساحة توديع العالم القلب يبكي على ايطاليا” .
الفيديو الملفق
الحقيقة
بحثاً عن الفيديو بواسطة تجزئة المقطع إلى مشاهد ثابتة (Invid)، تقود الخيوط الى الآتي:
*المقطع نُشر في تشرين الثاني 2019، في 18 منه في 19 منه ، وفي 22 منه (هنا). وهذا يعني، اذا، ان لا علاقة اطلاقا له بتفشي فيروس كورونا المستجد، كما يتم زعمه في المنشور المرفق به.
#Salvini, apri le orecchie, aprile bene. Questa è per te!#salviniscappa Bella Ciao #Modenanonsilega #Sardine #bellaciao pic.twitter.com/UrSxkVsE0t
— la manina (@La_manina__) November 18, 2019
https://www.instagram.com/p/B5BSVJKBEfn/?igshid=w62u3nrvcym5
وهنا ايضا مقطع مصور للتجمع ذاته، ولكن من زاوية اخرى:
وفقا لمعلومات تقاطعت حول المقطع، يتبين انه التقط في مدينة موديناModena، وهي مدينة شمال إيطاليا في إقليم إميليا رومانيا. المكان: الساحة الكبيرة في مودينا Piazza Grande in Modena. المناسبة: تجمّع مناهِض لماتيو سالفيني، وزير الداخلية الإيطالي ونائب رئيس الوزراء يومذاك، زعيم “الرابطة” اليميني المتطرف، بدعوة من “حركة السردين” Sardine. وقد انشدت الجموع اغنية بيلا تشاو الشهيرة Bella Ciao.