معتصم حمادة
والوجه الآخر للحروب الأهلية المفتوحة على الزمن وعلى أساليبها. كما أنها الوجه الآخر لشطب الهوية الوطنية لصالح هوية الطائفة، وهوية المذهب الفئوية المنغلقة على ذاتها. الدين والتدين شيء، والطائفية والمذهبية شيء آخر. ولا علاقة للدين بالطائفية والمذهبية بل هي تشويه للدين.
من يتحكم بالطائفية والمذهبية، كبار الطائفة، وكبار المذاهب، من سياسيين وإعلاميين، و«مثقفين» ورجال دين.
يبثون في النفوس والعقول مفاهيم وقيم الانغلاق على الذات، والخوف من الآخر، وممارسة الكراهية والإحساس الدائم بالخطر، وضرورة استنفار كل أشكال الغرائز البدائية تحت شعار الدفاع عن الطائفة، وعن المذهب، وعن أبناء الطائفة، وأبناء المذهب، ومناطق الطائفة، ومناطق المذهب، وصولاً إلى الدفاع عن مصالح كبار الطائفة وكبار المذهب، على حساب فقراء كل الطوائف وكل المذاهب، ولو أدى ذلك إلى إحراق الوطن. لا مانع من إحراق الوطن من أجل مصالح كبار الطائفة، وكبار المذهب.
إشعال نيران الحرب الطائفية والمذهبية لإخماد نيران الثورات الاجتماعية الطبقية، وتظهير «الفوارق» و «التمايزات» الطائفية والمذهبية للتعمية على الفوارق الاجتماعية والطبقية، واستغلال الأغنياء للفقراء. وتقسيم المجتمع طائفياً ومذهبياً، لقطع الطريق على انتماءاته الطبقية الاجتماعية.
لكل طائفة، ومذهب، مجلس ملي:
يضم المجلس الملي لكل طائفة، ولكل مذهب، بتشابه غريب وتماثل شبه تام بين كل الطوائف والمذاهب، كبار رجال الدين، المنغرسين في السياسة أكثر مما هم منغرسون في الشأن الديني، وكبار السياسيين، من وزراء ونواب ومدراء عامين، وقادة الأحزاب الطائفية والمذهبية، وكبار رجال المال والأعمال الذين ينهبون حصة الطائفة والمذهب في توزيع مغانم السلطة ومكاسبها، وأعطياتها وتوكيلاتها، وإدارة مصارفها ومؤسساتها المالية.
■ ■ ■
أبدع الاستعمار الكولونيالي الغربي في بناء الأسس الطائفية والمذهبية لأنظمة المنطقة، خاصة في لبنان.
حاول تقسيم بلاد المغرب العربي بين عرب وأمازيغ، لكن الذهاب الجماعي للاحتماء بالإسلام قطع على الغرب لعبته، وإن بقيت آثارها تفعل فعلها بين فترة وأخرى.
في العراق، نجح الحاكم العسكري، المدني، بريمر، في تهديم الكيان الوطني العراقي، وتحويله إلى مجتمع طوائف واثنيات متناحرة فيما بينها، يتصارع فقراؤها في حروب يشعلها قادة الأحزاب والمتربعون على عرش المحاصصة السياسية والمحاصصة المذهبية.
صار العراق سنة وشيعة، وايزيديين، وعرباً وكرد، ولم يعد شعباً عراقياً واحداً، وامتدت أيدي الخارج، لتزرع في بعض طوائفه ومذاهبه روح الشعبوية وتغليب مصالح الآخرين على مصالح الوطن.
في العراق صار الوطن بئر نفط منهوبة، وأرضاً قاحلة، وبلداً بلا كهرباء ولا ماء، ولا استشفاء، ومسرحاً للصراعات التي لم تتوقف.
تحول جيشه من جيش وطني إلى مؤسسة إفساد ونهب المال العام، فانهار أمام أول تجربة في الموصل. وما زالت النزعات والسياسات المذهبية تعطل إعادة بناء الجيش، عماد الدولة والوطن، على أسس وطنية خارج الانتماءات الفئوية المنغلقة على ذاتها.
أصبح الفقر سمة عامة، تنتشر في صفوف كل الطوائف والمذاهب، ولم يعد الفقر يميز بين هذا وذاك.
أصبح الجوع سمة عامة تنتشر هي الأخرى في كل مكان، لدى كل أبناء الطوائف والمذاهب. وكذلك البطالة، والمرض، والافتقار إلى الدواء، والأمن الغذائي، والثقة بالمستقبل. وعندما نزل الفقراء إلى الشوارع، التقت القيادات الطائفية والمذهبية، واتفقت على مبدأ “تعميق النزاعات الطائفية بين الفقراء” حتى لا يتحولوا إلى جيش وطني، وتيار وطني يجرف المذهبية والطائفية، ويعيد بناء النظام السياسي الموروث من بريمر، على أسس وطنية في مقدمها المواطنة، والمساواة التامة، والعدالة الاجتماعية.